يوم الطفل الفلسطيني.. الاحتلال اغتال براءة جيل الحصار والحروب | حريات
غزة- من القهر مرورًا بالملاحقة والاعتقال وحتى القتل، يواجه أطفال فلسطين سياسات الاحتلال الإسرائيلي التي أصابت صحتهم النفسية والجسدية وقيّدت حرياتهم وخطفت أرواح العشرات منهم.
المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس وغزة، غير المتصلة جغرافيا بفعل الحواجز والمعابر والجدران ونقاط التفتيش، يعيش فيها أطفال فلسطين أنواعا مختلفة من العذاب، جراء ما يتعرضون له من اعتداءات من الاحتلال لا تتوقف. وتشير بيانات وإحصاءات فلسطينية رسمية وحقوقية إلى أن هذه الاعتداءات اغتالت طفولة مئات الأطفال الفلسطينيين، جرحاً وقتلاً واعتقالاً.
وبمناسبة يوم الطفل الفلسطيني الذي يوافق الأربعاء 5 أبريل/نيسان، رصدت الحركة العالمية للدفاع عن أطفال فلسطين استشهاد 34 طفلا فلسطينيا -من بينهم 18 طفلاً في قطاع غزة- العام الماضي، و16 طفلا استشهدوا منذ مطلع العام الجاري برصاص الاحتلال في الضفة الغربية.
وكان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قد أقر تاريخ 5 أبريل/نيسان يوما للطفل الفلسطيني عام 1995، على إثر إعلانه التزام السلطة الفلسطينية باتفاقية حقوق الطفل الدولية. ويعتمد القانون الفلسطيني تعريف الطفل في اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة لعام 1989، بأنه “كل شخص يقلّ عمره عن 18 عاما”.

بيئة غير آمنة
الطفل نايف العويدات (13 عاما) أحدث ضحايا القتل الإسرائيلي، استشهد في 26 يناير/كانون الثاني الماضي متأثرا بجروحه الخطيرة التي أصيب بها جراء غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، ليرتفع عدد ضحايا أيام العدوان الإسرائيلي الثلاثة في أغسطس/آب 2022 إلى 18 طفلا، بحسب عائد أبو قطيش مدير “برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال/فلسطين”.
وقال أبو قطيش للجزيرة نت إن أطفال غزة يواجهون صنوفا عدة من الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة التي تنال من حقوقهم الأساسية كأطفال، وليس فقط الحق في الحياة.
ويفتقر أطفال غزة -بحسب أبو قطيش- للبيئة الآمنة، نتيجة سنوات الحصار المتواصلة لنحو 17 عاما، والتي تخللتها 4 حروب والكثير من جولات العدوان الإسرائيلية، وقال إن “سياسات الاحتلال العدائية شوهت البيئة التي يفترض أن تكون آمنة كي ينشأ الطفل نشأة سليمة، يتمتع بها بكافة حقوقه”.
بدورها، تقول الناشطة الحقوقية في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مها الحسيني -للجزيرة نت- “يعيش الأطفال في غزة صدمة مركبة وممتدة، يزداد وقعها وآثارها خلال وبعد كل هجوم عسكري على القطاع”.
وبعد أسابيع عدة من الحرب الإسرائيلية على غزة في مايو/أيار 2021، وجدت استبانة للمرصد الأورومتوسطي أن 9 من كل 10أطفال يعانون من شكل واحد على الأقل من أشكال اضطرابات ما بعد الصدمة.
وقالت مها الحسيني “للأسف، لا يمكن القول إن النسب التي نوثقها بعد الهجمات العسكرية مباشرة تتحسن بشكل جذري بعد مرور مدة على انقضائها، لأن الطفل الذي يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة يحتاج أن يشعر أن الحدث الذي سبب له الصدمة انتهى ولن يتكرر ثانية، وأنه بأمان تام منه، حتى يشفى من آثار الصدمة”.
وتضيف “لكن الواقع على الأرض، وصوت الطائرات الحربية وطائرات الاستطلاع الإسرائيلية المستمرة في سماء غزة، والهجمات المتكررة والحديث عن حروب محتملة، جميعها تُشعر الطفل أن الخطر ما يزال قائماً، وبالتالي فرص تشافيه من الصدمة تكون ضئيلة”.
وأثرت هذه السياسات العدائية بشكل كبير على الحقوق الأساسية للأطفال المتعلقة بالحياة والتعليم والصحة والمستوى المعيشي، بحسب الحسيني وأبو قطيش.
Prohibido olvidar: Un Batallón completo de soldados de ocupación israelíes para arrestar a un NIÑO palestino de 10 años ¿Que diríamos si el niño no fuera Palestino? pic.twitter.com/feoIrTkw3E
— Palestina Hoy (@HoyPalestina) April 1, 2023
ساحة قتل واعتقال
في الضفة الغربية، استشهد منذ بداية العام الجاري 16 طفلا، وأصيب عشرات آخرون بجروح متفاوتة، ويؤكد أبو قطيش أنه “ليس هناك مبرر يستدعي إطلاق جنود الاحتلال النار نحو هؤلاء الأطفال بقصد القتل”.
وأضاف “فقد هؤلاء الأطفال حياتهم في ظروف لم يكن فيها أي خطر يهدد حياة جنود الاحتلال الذين يتمتعون بالحصانة وعدم المساءلة، مما يمنحهم الضوء الأخضر للمضي قدما في سياسة القتل، التي لا تميز بين طفل وبالغ ومن الجنسين”.
وعلى صعيد الاعتقالات، لا يوجد إحصاء دقيق بأعداد الأطفال الذين يقعون يوميا في “شرك الاعتقال” في القدس المحتلة ومدن الضفة الغربية، غير أن أبو قطيش يقدر أن 700 طفل فلسطيني على الأقل يتعرضون للاعتقال سنوياً، منهم من يقضي أياماً في السجون، فيما تقدم ضد البعض منهم لوائح اتهام بناء على اعترافات تم انتزاعها بالقوة، ويتم تقديمهم لمحاكمات غير عادلة.

شرعنة استهداف الأطفال
وتعتقل سلطات الاحتلال في سجونها 165 طفلا، بينهم أطفال قُصر ما دون 14 عاما، بحسب بيانات وزارة شؤون الأسرى والمحررين في غزة.
وقال مدير الإعلام في الوزارة إسلام عبده للجزيرة نت إن الاحتلال يعتقل الأطفال في ظروف صعبة، ويمارس ضدهم التعذيب بأنواعه المختلفة، وبالوسائل والآليات ذاتها التي تستخدمها مع المعتقلين الكبار.
وضرب عبده مثلا على التعذيب والمحاكم المجحفة التي تفتقر لمعايير العدالة، حالة المعتقل المقدسي أحمد مناصرة الذي اعتقله الاحتلال بعمر أقل من 13 عاما، ولا يزال يقبع في السجن منذ عام 2015، وتجدد له محاكم الاحتلال العزل الانفرادي مرة بعد مرة، وهو ما أثر بشكل خطير على صحته الجسدية والعقلية والنفسية.
وتنطبق حالة مناصرة بشكل أو بآخر على الأطفال المعتقلين في سجون الاحتلال، الذين تضيع طفولتهم خلف القضبان، أو أولئك الذين يخضعون لما يسمى “الحبس المنزلي” في القدس المحتلة، وهم الذين يفرض عليهم الاحتلال البقاء في المنزل دون مغادرة بأي تهمة يراها ضد الاحتلال، ويتحول فيه الأهل بهذه الحالة إلى “سجانين” لطفلهم، خشية عليه من الأذى أو الغرامات المالية الباهظة التي تفرض عليهم، وفقا لعبده.
ومنذ احتلال الضفة والقطاع عام 1967، خاض أكثر من 50 ألف طفل فلسطيني من الجنسين، تجربة الاعتقال في السجون الإسرائيلية.
وقال عبده إن إسرائيل عمدت إلى إقرار قوانين تستهدف الأطفال الفلسطينيين، أخطرها: قانون يشرعن محاكمة الأطفال دون عمر الرابعة عشرة، وقانون آخر يتيح رفع الأحكام الصادرة بحق أطفال من راشقي الحجارة.
وحتى نهاية عام 2022، قدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني نسبة الأطفال الفلسطينيين في الفئة العمرية دون 15 عاما بنحو 38% من مجمل السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة (5.4 ملايين نسمة)، بواقع 36% في الضفة و41% في القطاع.